Saturday, November 12, 2011

كتاب: تشكّل الإسلام وتطوّره وانتشاره في بلاد المغرب: دراسة مقارنة: مقتطف من المقدمة




مقدمة الكتاب: في الدّراسات الإسلاميّة المقارنيّة


الدّراسات الإسلاميّة المقارنيّة Comparative Islamic Studies مشغل جديد انتشر في كثير من الجامعات الإسلاميّة المتقدّمة حول العالم، ولكنّه لا يزال محدودا في الجامعات العربيّة، رغم أنّه مبحث يساهم مساهمة فعّالة في إنارة جوانب كثيرة من الإسلام لم تُفلح الدّراسات التّحليليّة الكلاسيكيّة في إنارتها.
وتُعتبر الدّراسات المقارنة عاضدا لمشروع تطوير العلوم الإسلاميّة في الثّقافة العربيّة المعاصرة، فهي تحلّل البنى المكوّنة للظّاهرة الدّينيّة الإسلاميّة عند عدد من الفرق والمذاهب الإسلاميّة من الدّاخل بدل النّظر إليها والحكم عليها من الخارج، وتبحث في الجوامع المشتركة للمقالات المكوّنة للفكر الإسلامي، فتُنشئ جسور تواصل وتكامل بين كلّ المذاهب والطّوائف الإسلاميّة، وتنفي الخلاف لا الاختلاف، بعد أن عصفت بالأمّةِ الطّائفيّةُ المقيتةُ والمذهبيّة المبغضة والتّكفيريّة الصّادّة عن سبيل الله فمزّقتها كلّ ممزّق.
وتعني المقارنيّة استواء النّظر التّحليليّ إلى كلّ الفرق والمذاهب والأفكار والأعراق والأجناس الّتي شاركت في صوغ الفكر الإسلامي. وتعني أيضا التّعامل العلمي المحايد مع المادّة المدروسة لأنّها مادّة خلافيّة، فلا ينخرط الباحث بوعي أو دون وعي في صراعات الماضي، ولا يصدر أحكاما لا تدخل ضمن مجال البحث العلميّ الرّصين، ولا ينحاز إلى فرقة أو أخرى فيبدّع أو يكفّر غيرها من الفرق لمجرّد أن خالفته في تأصيل الأصول أو تفريع الفروع.
وبما أنّنا نقارن فكرا دينيّا يتواشج مع كلّ الأفكار المحرّكة للمجتمع، وللظّاهرة الدّينيّة خصوصيّات وشروط انتظام وآليّات تحليل، فإنّ نظرنا إلى الظّواهر سيختلف باختلاف المكوّنات المباشرة لتك الظّواهر. ولمّا كان الإسلام دينا وثقافة وحضارة وتاريخا وهويّة فإنّ الشّفرات التّحليليّة للإسلام ستختلف باختلاف المفهوم المراد من المصطلح.
وفي هذا وذاك، وفي كلّ مراحل البحث، اقتضت خصوصيّة المادّة المدروسة، الإسلام، الإيمان المنهجي: أي أن ننظر إلى المفاهيم والأفكار الإسلاميّة في بلاد المغرب إلى نهاية القرن الهجري السّادس نظر المؤمنين بها إليها في تلك الفترة لندرك كنهها......


مقدّمة البحث

يكتسب الدّين صفة الشّمولية بما أنّه ما من مجتمع على الأرض لم يعرف تجربة دينيّة وضعيّة أو توحيديّة[1]. ويكاد العقديّ في أغلب التّجارب الدّينيّة يُجْمِل أوجه نظرة الإنسان إلى الكون والوجود والمصير[2]. وتُعتبر الدّراسة المقارنيّة للفكر الدّيني من أكثر الدّراسات تعقيدا في العلوم الإنسانيّة الحديثة والمعاصرة نظرا إلى تداخل العوامل المحدّدة للظّاهرة الدّينيّة وتشابكها[3].
وتمثّل المقالات العقديّة والاِختيارات الفقهيّة في الفكر الإسلاميّ منظومة متكاملة تستجيب لمواضعات العمران البشريّ الّذي ينشئه المتديّن اِنطلاقا من ثقافته ومن اِنتمائه ومن الجهاز المفهوميّ الّذي يقارب به هذه القضايا. وإذ النّصّ القرآنيّ لا يُفهم إلاّ بالمرجع الثّقافي الّذي نزل بلسانه وما اِنفكّ يحاوره وبالبيئة الّتي اِنتشر فيها وما اِنفكّ يسايرها. ولا شكّ في أنّ للمرجع الأوّل شأناً في نظام النّصّ القرآنيّ وجانب التّشريع فيه وللمرجع الثّاني شأناً في تفهّم ذاك النّظام وفي تأويل التّشريع وفق أسئلة العمران. ومن هنا تتحتّم دراسة الظّاهرة الدّينيّة في كلّيّتها، من حيث الجدل المحرّك لها، لفهم أسرار التّشكّل والاِنتشار والسّيادة والاِستمرار والبحث فيها عن مواطن الخصوصيّة ونقاط التفرّد. وهو ما يقتضي دراسة الجدل بين الفرق والمذاهب الإسلاميّة المؤسّسة للتّجربة الدّينيّة في بيئة ما[4]، باِعتبار الجدل محركا للتّاريخ منتجا للأفكار مهما كانت صفتها، فهو يحكمنا في كلّ مظاهر حياتنا وتصوّراتنا وفي كيفيّات التّفكير وطرق الإنتاج[5].
وبما أن فهم الفكر وليد بيئته زمانا ومكانا[6]، إذ هو يتلون بألوانها ويتكيف معها ويصطبغ بمشاغل الإنسان فيها فلا بدّ أن يرتبط التّحليل الفكريّ بفضاء جغرافيّ يؤطّره تجنّبا للتّعميمات المخالفة للبحث العلميّ الرّصين. ولمّا كانت الدّراسات الإسلاميّة المقارنيّة في بلاد المغرب شحيحة ومشتّتة وغير معمّقة فقد صرنا إلى اختيار بلاد المغرب فضاء جغرافيّا لهذه الدّراسة الإسلاميّة المقارنيّة. وهو اِختيار راجع عندنا إلى سببين اِثنين:
- يتمثّل الأوّل في الوعي العميق بأنّ التّجارب الفكريّة والثّقافيّة قائمة على التنوّع والاِختلاف. فللإسلام تجارب فكريّة ثقافيّة متنوّعة بتنوّع المجال الجغرافيّ الّذي اِنتشرت فيه هذه الرّسالة. والفكر الإسلامي العربي غير الفكر الإسلامي الفارسيّ والتّركي والأندونيسي دون القول بالقطائع الكلّيّة لأنّ هذه النّماذج الفكريّة قائمة على التواصل بما أنّ مفاهيم الرّسالة تنتظمها وتؤطّرها[7]. ولكنّ المختلف بينها هو طرق الفهم والتّأويل وكيفيّات الإنتاج وآليّاته[8]. ولهذا فالإنسان عندما يفكّر وينتج في أيّ مجال فإنّ تفكيره وإنتاجه رهن ظرفيّته وثقافته وموقعه. وهذا لا ينطبق على الفكر الإسلامي فقط بل على كلّ التّجارب الدّينيّة توحيديّة كانت أو وضعيّة. فالفكر المسيحي المشرقي ليس ذاته الفكر المسيحي الرّومانيّ وهذا مختلف حتمًا عن الفكر المسيحي الإفريقي والقبطيّ وكذا الأمر بالنّسبة إلى الفكر اليهودي.
واِختيار البيئة المغربيّة راجع إلى الرّغبة في تفهّم أنماط حضور الدّينيّ وتشكّل تجربة دينيّة إسلاميّة في بيئة مختلفة كلّيّا أو جزئيّا عن التّراث المشرقي الّذي نشأت فيه التّجربة الأولى ونهلت منه. وهي تتّصل بمجموعة إثنيّة مختلفة أيضا كلّيا أو جزئيا عن المجموعة التي نزل الوحي بلسانها وتمّت أسلمة بعض من شعائرها وعاداتها في حين قُبل بعضها الآخر كما هو مع تغيير الدّلالات أو تحوير كيفيّة الأداء وهذا ما خلق ألفة بين المتعبّد والعبادة. وستؤكّد هذه الرّؤية غنى الفكر الإسلامي في تلبّسه بالظّاهرة الاِجتماعيّة واِضطلاعه بمجمل آمال النّاس وقدرته على التّلوّن بمشاغلهم والتّكيّف مع آرائهم، وتبيّن كيف يصوغ الإنسان رؤاه وفق تجاربه، ويصوغ تجاربه وفق بيئته وتكون بيئته نقطة في جدل التّاريخ المتواصل ولحظة من لحظات التّاريخ الإنساني العام.
- أمّا ثاني الأسباب فيتّصل بنظرتنا إلى الصّلة بين التّأريخ للحدث والتّأريخ للفكر اِعتبارا لتولّد الثّاني عن الأوّل وكونه نتيجة حتميّة مباشرة له، رغم صفته غير الواضحة أحيانا، وكلاهما وليد الحاجة[9]. وعملنا يتمثّل في تبيين درجات الوضوح والعتمة في هذه العلاقة أوّلا وإدراك قوانين مفسّرة لها ثانيا. وذلك يتطلّب تفكيك نظام الأحداث التّاريخيّة وفهم المنطق الذي صيغت وفقه، ومن ثمّ وصل الظّاهرة الدّينيّة بالحدث التّاريخيّ والمحيط الجغرافي والثّقافي والذّهنية السّائدة وقتها. أي لا بد من تفكيك هذه التّجربة في إطار الملابسات العمرانيّة في البيئة التي تعمل على تشكيل هذه الظّاهرة وتعميقها.
وهذا ما دفعنا إلى ضبط زمنيّ لمجال الدّراسة بعد الضّبط الجغرافيّ. فصرنا إلى أنّ نهاية القرن الهجريّ السّادس تمثّل منعرجا حاسما في تاريخ بلاد المغرب لا دينيّا فقط بل سياسيّا أيضا. وإن كان التّواشج متواصلا بين هذه الفترة والفترة التي ستتلوها لأنّنا لا نقول بالقطائع في الفكر وتاريخه ولا في التّجارب وإنما في الملامح والخصائص. فخصائص هذه وتلك وملامحهما غير متجانسة قطعا. والذّروة التي بلغها المغرب الإسلاميّ في القرن الهجريّ السّادس في عهد الموحّدين لم يتجاوزها لا فكريا ولا سياسيّا إلى اليوم. ويعتبر اِبن رشد الحفيد (595/ 1198) تتويجا فريدا لها. وقد شهدت هذه الفترة الأولى حرّكية دينيّة وسياسيّة واِجتماعيّة وتحولات هامّة أثّرت في التّركيبة البشريّة لسكّان شمال إفريقيا. فصادرنا على أنّ هذه الفترة تمثّل دورا حضاريّا واحدا يتكوّن من ثلاثة أوضاع ثقافيّة. يمتدّ الأوّل إلى نهاية القرن الهجريّ الثّاني، وهو وضع الاِنتشار، والثّاني يمتدّ إلى أواسط القرن الهجريّ الخامس وهو وضع السّيادة، وينتهي بوفاة اِبن حزم (456/ 1064 ) والثّالث يمتدّ إلى نهاية القرن الهجريّ السّادس وهو وضع الاِستمرار. وينتهي بوفاة اِبن رشد الحفيد (595/ 1198). وتمّ اِختيار هذا التّحديد بعد اِستقراء عدد من الأبحاث المعاصرة الّتي اِعتنت بالفكر الإسلاميّ في بلاد المغرب في هذه الفترة وبعد القراءة الشّخصيّة للمدوّنة المغربيّة[10].
وتكوّن هذه الأوضاع الثّقافية الثّلاثة دورا حضاريّا واحدا تتوجّب دراسته دراسة مقارنيّة في كلّيته لا بالنّظر إلى مقالة واحدة أو فرقة واحدة فقط وإنّما باِعتبار كلّ الأفكار الّتي عرفتها بلاد المغرب عند كلّ الجماعات المكوّنة للتّركيبة السّكّانيّة لهذه المنطقة. أمّا الدّور الحضاريّ الثّاني فهو يتكوّن من أوضاع ثقافيّة مختلفة سيتمّ تحديدها وتحديده في دراسة لاحقة ضمن مشروع متكامل يعنى بملامح التّجربة الدّينيّة في شمال إفريقيا.
وهذان المفهومان اللّذان سنقارب بهما هذه القضيّة يمثّلان مفهومين أساسيّن لتبيّن الخصائص الواِسمة للفكر في مرحلة تاريخيّة محدّدة. ويعني مفهوم الوضع الثّقافي جملة البنى والأفكار والهياكل والمؤسّسات المكوّنة للفكر في فترة تاريخيّة محدّدة ومضبوطة. أمّا مفهوم الدّور الحضاريّ فيعني الحقبة التّاريخيّة الّتي يمرّ بها الفكر ويكون فيها موسوما بسمات معيّنة قد يتواصل بعضها في حقبة أخرى لاحقة، وقد تعرف هذه الحقبة اللّاحقة تغيّرا هيكليّا جذريّا. ومن هنا فالدّور الحضاريّ أشمل من الوضع الثّقافي لأنّ كلّ دور لابدّ أن يشمل أوضاعا ثقافيّة مختلفة قد تتكامل وقد تتصارع، وفي تكاملها وتصارعها تخلق ما اِصطلحنا على تسميته بالدّور الحضاريّ. والدّور عندنا أقرب إلى المفهوم Concept المجرّد منه إلى المحدّد الزّمني[11].........................................
.................
...........


[1] R. Girard, La violence et le sacré, 135
[2] حرصا منّا على دقّة النّقل الأكاديميّ في ما يتّصل بالأفكار الّتي استفدنا منها من كتب غير عربيّة، فإنّنا نورد الشّاهد بلغته الأصليّة ثمّ ننقل معناه إلى اللّغة العربيّة. وتعني هذه العلامة [م] ضبطا للمعنى لا تعريبا للشّاهد.
Ascétisme, mysticisme, rapport au monde, salut, virtuosité, charisme (de la personne ou de la fonction), prophétie (exemplaire ou de mission), quotidianisation, formalisme magique, désenchantement, église, secte, orthodoxie, hérésie, doctrine, sacrement, piété, éthique, ethos, cure des âmes, conduite de vie, habitus, etc.… Presque tous venus de la théologie. M. Weber, Sociologie des religions, 13.
[م: إنّ الزّهد والتّصوّف والعلاقة بالعالم والسّلام والمهارة والبركة (ما تعلّق منها بالشّخص أو بالحدث) والنّبوّة (النّبويّة أو الرّسوليّة) والنّزعة اليوميّة والشّكلانيّة السّحريّة ونزع السّمة السّحريّة والكنيسة والفرقة والبدعة والعقيدة والشّعيرة والتّقوى والأخلاق وتنقية الأرواح ونمط العيش... كلّها أمور منبثقة في الأغلب من العقيدة].
[3] M. Augé, Symbole, Fonction, Histoire : les interrogations de l’anthropologie, 52. Encyclopædia Universalis, CD- DVD, 6. 0. 72, Religion, (Sabbatucci Dario).
[4] الجدل في تعريف الباجي هو تردّد الكلام بين اِثنين قصد كلّ واحد منهما تصحيح قوله وإبطال قول صاحبه. الباجي، المنهاج في ترتيب الحجاج، 11.
[5] Los eruditos religiosos tuvieron una enorme influencia en los ámbitos espiritual y temporal de la sociedad musulmana, y en el modo de pensar y de vida de las gentes, contribuyendo a la existencia de una religiosidad universal y convirtiéndose en árbitros de múltiples aspectos de la conducta humana. A. G. Chejne, Historia de España Musulmana, 259.
[م: لعلماء الدّين تأثير عميق في تكييف المحيط الرّوحيّ والدّنيوي للمجتمع الإسلاميّ، وفي كيفيّة تفكير البشر ونمط عيشهم. وهم يساهمون بذلك في خلق تديّن كونيّ يحدّد كلّ مظاهر السّلوك البشري].
[6] لا بدّ أن يميّز القارئ هنا بين مصطلحين مركزيّين: الدّين، والفكر. الدّين ربّاني والفكر بشريّ. وبحثنا يرتكز على الثّاني لا على الأوّل. وهذا التّمييز ضروريّ لأنّ المستشرقين وكثيرا من الدّارسين العرب يخلطون بين المصطلحين خلطا متعمّدا. والغايات الاستشراقيّة في توجّههم هذا التّوجّه واضحة ولا تحتاج إلى التّنبيه عليها.
[7] El Islam magrebí no es, en su aspecto práctico, igual al egipcio, al sirio, al turco y no digamos al pakistaní, al filipino o al indonesio aun cuando los principios sagrados sean los mismos, igual el culto directo a Dios y único el Libro del que emana la religión: el Corán. F. V. Martínez, El Islam en el Mundo Bereber, 6. F. V. Martínez, Mitos y leyendas en el mundo Bereber, 12.
[م: لا يطابق الإسلام المغربيّ في مظهره العمليّ الإسلام المصريّ أو السّوريّ أو التّركيّ، دون أن نتحدّث عن الإسلام الباكستانيّ أو الفيلبّينيّ أو الأندونيسيّ، حتى ولو كان المعتقد واحدا والشّعائر واحدة والكتاب الّذي منه ينبثق الدّين واحدا]. ولكن لا بدّ أن نؤكّد هنا أنّ مصطلح "الإسلام القُطْري": مثل "الإسلام التّونسي" أو "الإسلام التّركي"... ليس سوى مصطلح استشراقي هدفه تجزيء الدّين الإسلامي وإظهاره وكأنّه أديان متعدّدة. والأصوب علميّا وعقديّا اعتبار التّنوّع في الفكر لا في الدّين. الدّين واحد أمّا الفكر فيختلف باختلاف الثّقافات واللّغات والعصور. وعلى القارئ أن يستوعب الفرق بين المصطلحين. وسنخصّص لهذا الثّبت الاصطلاحيّ بحثا مستقلّا.
[8] نؤكّد هنا المفهوم المعاصر لعمليّة الفهم كما تشكّل في المباحث الفلسفيّة المعاصرة وخاصّة في الهيرمونيطيقا مع شلايرماخر وﭙول ريكور وﭭدامر باِعتبار أنّ التّأويل فلسفيّا ليس فعلا منضافا إلى الفهم بل هو قوامه الأساسيّ. وهذا ما بيّنه ريكور في كتابه De l’interprétation ; essai sur Freud,. وجلّاه ﭭدامر في قوله: Auslegung ist nicht ein zum Verstehen nachträglich und gelegentlich hinzukommender Akt, sondern Verstehen ist immer Auslegung, und Auslegung ist daher die explizite Form des Verstehens. Mit dieser Einsicht hängt zusammen, daß die auslegende Sprache und Begrifflichkeit ebenfalls als ein inneres Strukturmoment des Verstehens erkannt wird. H. G. Gadamer, Wahrheit und Methode, 291.
[م. ليس التّأويل فعلا يمكن أن يضاف ظرفيّا إلى الفهم. "فَهِمَ" هي دائما "أَوَّلَ". ويكون التّأويل، نتيجة لذلك، هو الشّكل الظّاهر للفهم. وهذا المعنى يؤسّس للفكرة الّتي تفيد أنّ اللّغة هي الأداة المفهوميّة للفهم].
[9] اِعتبر فراد دونر أنّ الحاجات الثّقافية هي الّتي ولّدت علم التّاريخ الإسلاميّ في بداياته وكتب يقول: The classical Islamic historiography was the product of specific needs that arose during the growth of the community of Believers- particularly the need to define itself as a community of Muslims distinct from other monotheisms, the need to justify its claim to religious and temporal superiority, and the need to adjudicate internal disputes over political and religious leadership within the community. F. M. Donner, Narratives of Islamic origins, 291.
[م. التّاريخ الإسلاميّ القديم نتاج حاجات مخصوصة ظهرت أثناء توسّع جماعة المؤمنين. ومن أهمّ هذه الحاجات: حاجة تحديد هذه الجماعة لنفسها باِعتبارها جماعة إسلاميّة تختلف عن باقي الجماعات التّوحيديّة، وحاجة البرهنة على إثبات اِدّعاء تفوّقها الدّينيّ والدّنيوي، وحاجة الحكم في الجدل الدّاخليّ حول القيادة السّياسيّة والدّينيّة داخل هذه الجماعة ذاتها].
[10] ذهب الأستاذ فرحات الجعبيري في اِستقرائه للفكر الإباضي في بلاد المغرب إلى تقسيمه إلى ثلاث مراحل: الأولى هي مرحلة النّشأة والثّانية هي مرحلة النّضال وتمتدّ من القرن الثّاني إلى القرن الخامس والثّالثة هي مرحلة النّضج وهي مرحلة القرن الهجري السّادس. فرحات الجعبيري، البعد الحضاريّ للعقيدة الإباضيّة، 766. وهو تحديد يتّفق مع الأوضاع الثّقافية الثّلاثة الّتي ضبطتها لهذا الدّور الحضاريّ الأوّل وبعض الاِختلاف راجع إلى أنّ ما ذهب إليه الأستاذ ينحصر في الفكر الإباضي بينما وسّعت هذه الأوضاع اِنطلاقا من اِستقراء كافّة تشكيلات الفكر الدّيني في بلاد المغرب وحصرتها فيما أثبته في المتن. وذهبت الباحثة الإسبانيّة إيسابال فيرّو إلى تقسيم المالكيّة الأندلسيّة إلى مرحلتين اِثنتين، حسب بحثها المحدّد بالقرن الخامس: الفترة الأولى من القرن الثّاني إلى النّصف الأوّل القرن الثّالث وهي فترة اِنتشار الفقه المالكي. والثّانية تنتهي عند اِبن عبد البرّ والباجي وهي فترة تطوير هذا الفكر بالاِهتمام بالحديث وبأصول الفقه. وهو تقسيم يتّفق وما صرت إليه أيضا. M. I. Fierro, El derecho maliki en Al-Andalus : siglos II / VIII – V/ XI, 130.
وأشير إلى أنّ الباحث ﭙيتر هيث قد قسّم التّاريخ الأندلسيّ إلى ثلاثة أطوار أيضا: الأوّل من (92/ 711) إلى (350- 961) والثّاني من (350/ 961) إلى (636/ 1238) والثّالث من (636/ 1238) إلى (897/ 1492). ودرس فيه المعارف الثّلاث: المقدّسة والدّنيويّة والعلميّة. وهو تقسيم لم يذكر أيّ تبرير منهجيّ أو معرفيّ له ويخضع لنظرة سياسيّة إذ يربط بين تغيّر السّلط السّياسيّة الحاكمة والسّمات المعرفيّة لكلّ فترة. Peter Heath, Knowledge, 96- 121.
أمّا ميكلوس موراني فقد اِعتمد على المصنّفات المالكيّة المغربيّة ليقسّم التّراث المالكي إلى أربع فترات: تمثّل الأولى البدايات وتمتدّ من مالك بن أنس إلى محمّد بن سحنون Die Anfänge: Das 2. und 3. Jh. D. h. : die Generation von Malik b. Anas bis Muhammad b. Suhnun. وتمتدّ الثّانية من سحنون إلى نهاية القرن الثّالث Die Schülergeneration Sahnuns bis zum Ende des 3. Jh. D. h. . أمّا الثّالثة فتشمل العصرين الفاطمي والزّيري Das 4. Jahrhundert d. h.die Malikiyya zur Zeit der Fatimiden und Ziriden والرّابعة من القابسي إلى الغزو الهلاليDas 5. Jahrhundert d. h. : von al- Qabisi bis zur Hilal Invasion. ولكنّه بنى هذا التّقسيم اِعتمادا على مصنّفات مالكيّة إفريقيّة فقط. Miklos Muranyi, Beiträge zur Geschichte der hadīt und Rechtsgelehrsamkeit der Malikiyya in Nordafrika bis zum 5. jh. D. h ; Bio- bibliographische Notizen aus der Moscheebibliothek von Qairawan.
[11] اِعتمد اِبن خلدون على مفهوم "الطّور" لدراسة أحوال الممالك فقال "اِعلم أنّ الدّولة تنتقل في أطوار مختلفة وحالات متجدّدة ويكتسب القائمون بها في كلّ طور خلقا من أحوال ذلك الطّور لا يكون مثله في الطّور الآخر". اِبن خلدون، المقدّمة، 219.

No comments:

Post a Comment