Thursday, May 20, 2010

كتاب جدل الدين الإسلامي والعمران المغربي للدكتور المبروك المنصوري: انفتاح البحث العلميّ العربيّ على العالميّة منهجًا ومضمونًا

كتاب " جدل الدين الإسلامي والعمران المغربيّ " للدكتور المبروك المنصوري* : انفتاح البحث العلميّ العربيّ على العالميّة منهجًا ومضمونًا

بقلم عثمان صادق شريحةمقتبس من موقع الفلسفة، وهو صاحب الملكية الفكرية للمقال

صدر عن الدّار المتوسطية للنشر في شهر أبريل 2010 كتاب جديد للدكتور المبروك المنصوري بعنوان " جدل الدين الإسلامي والعمران المغربيّ " ، وقد تناول فيه قضيّة على غاية من الأهميّة باعتبار انفتاحها على مسائل معرفيّة ما فتئت تستقطب جهود الباحثين في أعرق الجامعات العالميّة ، إنّها قضيّة الجدل المستحكم بين الظاهرة العمرانيّة والدّين ، وعالج الدكتور المنصوري هذه القضيّة في إطار الفضاء المغربيّ بالنّظر إلى ما يطرحه من خصوصيّات عمرانيّة كثيرًا ما نفذت إلى السطح من خلال التفاعل مع التجربة الدينيّة . إنّ الظاهرة العمرانيّة ـ وقد تنزّلت في سيرورة التاريخ ـ ليست ضربًا من التعاقب الذي يلغي فيه اللاحق منه السابق ، وينفي المتأخّر منه المتقدّم . إنّما هي ظاهرة محكومة بالتفاعل الحيويّ بين مكوّناتها تأثّرا وتأثيرا ، وهو ما يؤدّي إلى تشكيل مادّة العمران وفق بنيتين : ظاهرة سطحيّة لا يخطئها الدّارس المتعجّل وباطنة عميقة لا يقع عليها إلاّ الناظر بعين التحقيق . تلك هي المصادرة التي انطلق منها المبروك المنصوري لدراسة أبعاد الجدل بين الدين والعمران المغربي موظّفا في ذلك ثلاثة مفاهيم أنثروبولوجيّة ، وهي الدين والعمران والجدل، أمّا الدين فهم من جواهر التصوّرات الإنسانيّة مادام باحثًا في مقاربة المطلق وجودًا ومصيرًا ، وأمّا العمران فهو نظام الوجود منزّلا في شروط الاجتماع الإنساني ، وليس الجدل حينئذ إلاّ ذلك التفاعل القائم بين الدّين والعمران ، فيصير بالاستتباع آليّة منتجة للأفكار محرّكة للتّاريخ . ويقدّم الدكتور المنصوري مقاربة متميّزة لمفهوم العمران الخلدونيّ الذي تبنّته الكثير من الدّراسات المعاصرة باعتباره مفهومًا جامعًا قادرًا على استيعاب شتات التجربة الإنسانيّة في وجودها المادّي والمجرّد والمباشر والرّمزي ، فالفنون والأخلاق والقوانين والأعراف والتقاليد والطقوس والنواميس تقع تحت طائلة هذا المفهوم الشمولي ، وهو ما دفع أبرز الدراسات الأنثروبولوجيّة الثقافيّة الأنقلوسكسونيّة إلى تبنّيه وإجرائه . وتأتّى للباحث المنصوري ـ بفضل دقّة أدواته المنهجيّة ـ أن يكشف الإرباكات المعرفيّة التي وقعت فيها الدراسات الأنثروبولوجيّة الثقافيّة عندما راهنت على الدّاروينيّة الاجتماعيّة ، فقاربت المجتمعات الإنسانيّة بأدوات مفهوميّة مستعملة أساسًا في فهم العالم الطبيعيّ ، فصارت إلى الإقرار بمفهوم الارتقاء الثقافيّ متجاهلة بذلك معطيات التفاعل والمجادلة والمثاقفة بين الثقافات البشريّة المتباينة، وتمكّن أنثروبولوجيّو الثقافة المعاصرون من تجاوز هذا الإرباك المعرفيّ من خلال تبنّي مفهوم الجدل الثّقافي حيث تبدو المواءمة بين المفهوم الفلسفي للجدل والمفهوم الأنثروبولوجي للثّقافة جليّة الأبعاد .

ويستدعي الباحث المنصوري هذه الأجهزة المفهوميّة ـ وقد استوت نظرًا وتأصيلاًـ في مقاربته للعمران المغربي قبل انتشار الثقافة العربيّة الإسلاميّة وبعدها . وقد حكمت هذا العمرانَ معطيات دينيّة ولغويّة واجتماعيّة متواشجة متفاعلة ، أمّا على المستوى الدّينيّ سادت الوثنيّة بمختلف أشكالها وصيغها بالإضافة إلى الانتشار المحدود لليهوديّة والمسيحيّة ، وأمّا على المستوى اللغويّ فقد تكفّل اللّسان الأمازيغي بالتّعبير عن هذه الثقافة ، وأمّا على المستوى الاجتماعيّ فقد جاورت الأنماط المحلّية من القبليّة المظاهر المدنيّة النّاشئة عن العمران الموروث عن الغزاة المجال المغربي المتقدّمين . وأقامت هذه المعطيات الثقافيّة ذات الأبعاد المتغايرة جدلاً ثقافيًّا مع الثقافة العربيّة الإسلاميّة الوافدة ، فلئن كان السّطح الظاهر موهمًا بسيادة هذه الثقافة الوافدة فإنّ البنية العميقة للظاهرة العمرانيّة المغربيّة تكشف مدى تأثير الثقافة المحلّية ، وتحكّمها في العديد من الظّواهر الاجتماعيّة . وبحث المنصوري في ثلاثة نماذج من الجدل القائم بين الدّين والعمران المغربيّ: ـ النموذج الأوّل : استقرأ فيه جدل التنبّؤ المغربي والنبوّة المحمّديّة ، فتتبّع حدود تأثير التراث المحلّي في تجارب التنبّؤ ومدى المحاكاة التي أقامتها مع النموذج النبويّ ، فاحصًا مختلف العوامل الموضوعيّة المؤثّرة في صياغة هذه التجارب ، ذلك أنّ التنبّؤ كثيرا ما كان جمعًا لشتات المعطيات الاقتصاديّة والسياسيّة والثقافيّة التي تتفاعل فيما بينها لتنشئ نموذجًا اجتماعيًّا رافضًا ملتبسًا بالدّين . ويحكم المنصوري فعل الاستقراء المنهجيّ بضبط مجموعة الرّوافد المسهمة في تشكيل ظاهرة التنبّؤ ببعديها المحلّي المغربي المتأصّل في التاريخ والإسلاميّ ذي التجلّيات الحضاريّة المختلفة ، ومثّلت الثورات المتعدّدة في الفضاء المغربيّ انعكاسا مباشرا للاعتمال البيني الحادث في صلب هذه الثنائيّة ، وقد أعربت هذه الثورات عن خصوصيّاتها المجاليّة من خلال أمرين : انتشار المذاهب الخارجيّة وتحديدا الصفريّة والإباضيّة بحكم امتلاكها للأجوبة الملائمة عن أسئلة العمران الحادثة وانتشار ظاهرة التنبّؤ وتعبيرها الجليّ عن مشاغل المغربيّ وقد تنازعه نموذجان حضاريّان مختلفان . ـ النموذج الثاني : تناول فيه جدل الدّين الإسلاميّ والثقافة المغربيّة ، فاهتمّ بمسائل ثلاث تقوم كلّ واحدة منها على ثنائيّة مفهوميّة : الدّين واللسان والدين والطعام والدّين والجسد ، وتشترك عناصر اللسان والطّعام والجسد في كونها " أنظمة علاميّة رمزيّة دالّة ومنبئة عن هيئة معيّنة في الاجتماع والعمران " ، وقد برع الباحث في بيان مظاهر الاسترسال بين المعطى الثقافي المغربيّ والدّين الإسلاميّ تأثّرا وتأثيرًا ، فالفتح الإسلاميّ لم يؤسّس قطيعة نهائيّة مع النظام اللغويّ في علاقته بالمعتقد ، كما لم "يفلح" في اجتثاث المعطيات الاجتماعيّة ذات الصّلة الوثيقة بمجالي الطّعام وطقوس الجسد . ـ النموذج الثالث : اهتمّ فيه الدكتور المنصوري بجدل الفكر الإسلامي والعمران المغربي وأسس التّشريع للاجتهاد ، منطلقا في ذلك من مقالتين مركزيّتين تتعلّق الأولى بانتشار المقالة الظاهريّة التي سادت في البيئة المغربيّة في القرنين الرابع والخامس الهجرييّن ومقالة " مراعاة أفهام الجمهور " كما تبلورت في الفكر الرشدي بعد أن قام ابن حزم بصياغتها الأوّليّة ، وهاتان المقالتان عمرانيّتان بامتياز باعتبارهما تندرجان في صيغ الفهم والتقبّل العامّ للمسألة التشريعيّة حيث تتحّكم أنماط الوعي السّائدة بالتشريع بوصفه فعلاً مؤسّسا للحدث الاعتقاديّ ، وهو ما وجد فيه الدكتور المنصورى مستوى من الخصوصيّة العمرانيّة المغربيّة نافيًا بذلك ما ذهب إليه بعض الدّارسين من أنّ الظاهرة العمرانيّة المغربيّة ما فتئت تستدعي النموذج المشرقيّ إلى نطاقها الحيويّ الفعّال.

وبهذه المقاربة المتميّزة للجدل المستحكم بين الدّين والعمران في الفضاء المغربيّ يكون الدكتور المنصوري قد أسّس لنموذجٍ من الدّراسات مبتكرٍ في الساحة الثقافيّة العربيّة الإسلاميّة ، إنّه نموذج من الفرادة بمكان يتّخذ من المناهج الأنثروبولوجيّة أداة يستبطن بها جدلا مستحكمًا طالما تبدّى فيه العمرانيّ المتأصّل في ثنايا الدينيّ الصّرف . ولئن كان الدكتور المنصوري يرتاد في هذا البحث ضربًا من المعرفة غير معهودٍ في الفضاء العربي الإسلامي فإنّه أسّس بهذا الكتاب لبنةً مهمّة في سياق انفتاح البحث العلميّ العربيّ على الكونيّة منهجًا ومضمونًا.

___________________________ *الدكتور المبروك المنصوري باحث مشارك بجامعة تسوكوبا باليابان ، وعضو بالأكاديميّة الأمريكية للأديان بأطلنطا ، يعدّ من أبرز الباحثين في الدراسات الدينيّة والحضاريّة والثقافية المقارنة ، يعمل حاليّا بجامعة الدمّام بالمملكة العربية السعودية ، صدرت له مجموعة من المؤلّفات منها : ـ الإسلام في المغرب الكبير من الفتح إلى وفاة ابن رشد الحفيد: دراسة مقارنة في التّشكّل والانتشار والسّيادة والاستمرار، تونس، كليّة الآداب بسوسة والمطبعة الرّسميّة للجمهوريّة التّونسيّة، 2009. ـ الدراسات الدينيّة المعاصرة من المركزية الغربية إلى النسبية الثقافية : الدار المتوسطية للنشر ـ تونس 2010 . كتب العديد من المقالات العلميّة في أشهر المجلاّت العالميّة .

Thursday, May 6, 2010

كتابي الجديد “جدل الدّين الإسلامي والعمران المغربي”. مقتطف من المقدّمة


كتبهاالمبروك المنصوري ، في 29 أبريل 2010 الساعة: 16:21 م

…يرتكز هذا البحث على ثلاثة مصطلحات مركزيّة ذات أبعاد أنثروبولوجيّة مترابطة هي الجدل والدّين والعمران. الدّين بصفته تصوّرا للكون والوجود والمصير على صفة مخصوصة. والعمران بصفته ترتيبا للوجود المُتصوَّر وفق شروط انتظام المجتمع. والجدل بصفته محرّكا للتّاريخ ومنتجا للأفكار.
وقطب هذه المصطلحات الثّلاثة هو مصطلح العمران. وهو مصطلح خلدونيّ اكتسب أبعادا أنثروبولوجيّة في كثير من الأبحاث العالميّة المعاصرة. ويمكن تعريف مصطلح العمران الخلدوني بأنّه مفهوم جامع يشمل الماديّ والمجرّد، والمباشر والرّمزيّ وكلّ الأنظمة الدّالّة في الوجود الإنسانيّ، أو هو "ذلك الكلّ المركّب complex whole الذي يضمّ المعرفة والاعتقاد والفن والأخلاق والقانون والعرف وأيّة مؤهّلات أو عادات يتبنّاها الإنسان بصفته عضوا في مجتمع ما" مستعيرا هذا التّعريف الّذي ضبطه إدوارد تيلر Edward B. Tylor منذ سنة 1871، في كتابه "الثّقافة البدائيّة"[1]. ومثّل هذا التّعريف منطلقا تبنّاه باحثون كثر في علوم إنسانيّة مختلفة وتحوّل إلى مصادرة اختصّت بها الأنثروبولوجيا الثّقافيّة الأنـﭭلوسكسونيّة. ويرجع هذا الاختيار إلى سببين اثنين:
أمّا الأوّل فهو أنّ فرنتز روزنتال Franz Rosenthal عندما ترجم مقدّمة ابن خلدون سنة 1967 استعمل مصطلح Civilization الأنـﭭليزي للعمران الخلدوني ومصطلح Sedentary Culture للحضارة[2]. وأقرّ بروس لورنس Bruce B. Lawrence هذا الاختيار الاصطلاحيّ في مقدّمة الطّبعة الأنقليزيّة الجديدة من المقدّمة وقد أصدرتها جامعتا رنستون وأكسفورد سنة 2005[3]. فإذا أردنا أن نطبّق هذا الضّبط الاصطلاحي على التّعريف الأنثروبولوجي لتيلر يصير مصطلح Culture هو الحضارة و Civilization هو العمران. ويصحّ اعتبار العمران "كلّا مركّبا".
وهذا يقودنا إلى السّبب الثّاني وهو أنّ استعمال مصطلح العمران الخلدوني بعد إكسابه بعدا أنثروبولوجيّا ليس جديدا. فقد وظّفته مريل وين دايفس M. W. Davies في كتابها "أن نتعارف"[4]. ورغم الانتقادات الّتي وجّهها رتشرد تايـﭙر Richard Tapper لهذا التّوظيف[5] فإنّ المصطلح والمفهوم المراد منه ينسجمان مع البحث الأنثروبولوجي.
ويتّأكّد هذا من صلة النّظريّة الخلدونيّة في مجملها بنظريّة الأنثروبولوجي الألماني-الأمريكي فرانتز باوص Franz Boas (1858- 1942)، وقد تجدّد الرّجوع إلى دراساته وأبحاثه مع بداية هذا القرن خاصّة. وقد اعتُبر باوص من أهمّ المساهمين في جملة التّحوّلات المفهوميّة والمنهجيّة الكبرى في الأنثروبولوجيا الثّقافيّة الأنـﭭلوسكسونيّة. ولعلّ أهمّ إضافات باوص تتمثّل في برهنته على أنّ العلاقة بين العرق والثّقافة ليست ضرورة، بالمفهوم المنطقي للضّرورة، بل هي جدليّة تتبادل التّأثير والتّأثّر[6]، وأنّ للمناخ تأثيرا كبيرا في أنظمة المعنى الفاعلة في المجتمعات البشريّة، دون أن يقول بالماهيّة الثّابتة، وهو رأي ابن خلدون أيضا. ومقارنة المقدّمة بكتاب باوص "العرق واللّغة والثّقافة" تبيّن أنّ تصوّرات باوص تتماهى تماهيا كاملا مع تصوّرات ابن خلدون. الفرق الوحيد هو أنّ دراسة ابن خلدون تكاد تشمل العالم المعروف في القرون الوسطى أمّا دراسة باوص فمختصّة بالقارّة الأمريكيّة. وأكاد أذهب، دون أن أجزم الآن، إلى أن باوص قد اعتمد على نظريّة ابن خلدون اعتمادا مباشرا. والأمر مناط بحث… (الكتاب موجود في معرض تونس الدّولي للكتاب: جناح الدّار المتوسّطيّة للنّشر: عدد 802، بقيّة التّفاصيل في الصّفحة المخصّصة للكتاب في هذه المدوّنة)



[1] "Culture or Civilization, taken in its wide ethnographic sense, is that complex whole which includes knowledge, belief, art, morals, law, custom, and any other capabilities and habits acquired by man as a member of society". Encyclopædia Britannica, Student and Home Digital Edition, 2009. "culture", (Leslie A. White).
الإحالات حسب نظام شيكاﭬو Chicago-Style Citation.
[2] وترجم عنوان الفصل الثّامن عشر من الباب الرّابع من الكتاب الأوّل "في أنّ الحضارة غاية العمران ونهاية لعمره وأنّها مؤذنة بفساده" بـ "Sedentary culture is the goal of civilization. It means the end of its life span and brings about its corruption". Ibn Khaldūn, The Muqaddimah: An Introduction to History, Trans. Franz Rosenthal, 285.
[3] انظر مثلا الصفحات xix، xxx، xl و xli من مقدّمة هذه الطّبعة.
[4] M. W. Davies, Knowing one another: Shaping Islamic anthropology. London: Mansell, 1988.
[5] Richard Tapper, "’Islamic Anthropology’ and the ‘Anthropology of Islam"’, Anthropological Quarterly 68: 3 (1995): 189.
[6] F. Boas, Race, Language and Culture, 243-259, 270-331.
وانظر عن أهمّ إضافاته المفهوميّة والمنهجيّة أعمال الأنثروبولوجيّة المعاصرة رﭬنا دارنال Regna Darnell خاصّة.


كتاب “الدّراسات الدّينيّة المعاصرة من المركزيّة الغربيّة إلى النّسبيّة الثّقافيّة: الاستشراق، القرآن، الهوية والقيم الدينية”. مقطع من المقدّمة


كتابي الجديد “الدّراسات الدّينيّة المعاصرة من المركزيّة الغربيّة إلى النّسبيّة الثّقافيّة”. مقطع من المقدّمة

كتبهاالمبروك المنصوري ، في 29 أبريل 2010 الساعة: 16:17 م


…وعنونت القسم الثّاني: بـ"من المركزيّة الغربيّة إلى النّسبيّة الثّقافيّة: المفاهيم" وسأدرس فيه مكانة الدّين في الثّقافة اليابانيّة الحديثة والمعاصرة مقارنا إيّاها بمكانته في الثّقافة العربيّة، وسأصل كلتا الثّقافتين بالثّقافة الغربيّة من حيث نظرتها إليها ومدى توظيفها لرؤاها ومفاهيمها ومناهجها. وسأبيّن كيفيّة اعتماد الفكر الياباني على نظريّة النّسبيّة الثّقافيّة معتبرا أنّ المفاهيم الغربيّة رؤى ثقافيّة مخصوصة نابعة من حاجات حضاريّة غربيّة صرفة ولا تنسجم مع المركّبات الثّقافيّة والاجتماعيّة والنّفسيّة الآسيويّة عموما واليابانيّة خصوصا، في حين اعتبرت الثّقافة العربيّة الحديثة والمعاصرة الحداثة الغربيّة نموذجا كونيّا في مفاهيمه ومناهجه ومقارباته وراحت تطبّق هذه المفاهيم والمناهج والمقاربات على الفكر العربي الإسلامي في كلّ مفاصله!
في الفصل الأوّل: الهويّة والقيم الدّينيّة في التّجربتين التّحديثيتين اليابانيّة والعربيّة،سأقارن بين تجربتي التّحديث اليابانيّة والعربيّة من حيث مدى توظيفهما للقيم الدّينيّة المحليّة في مرحلة النّهضة وجدوى هذا التّوظيف. وسأصل ذلك بإشكاليّة علاقة الحداثة بالهويّة الوطنيّة محاولا الإجابة عن سؤالين مركزيّين:
- كيف وُظّفت القيم الدّينيّة الشّنتويّة في النّهضة اليابانيّة؟
وكيف اشتُقّت أغلب المفاهيم اليابانيّة الحديثة سياسيّةً واقتصاديّةً وفكريّةً وثقافيّةً وإيديولوجيّةً من التّراث الدّيني الياباني الّذي يعود إلى آلاف السّنوات عبر العودة إلى الكتاب الشّنتوي المقدّس كُجِكي والاستلهام منه؟ في حين هُمّشت أغلب المقاربات التّحديثيّة العربيّة المستندة إلى ذات التوّجه، لتأثُّرِ الفكر العربي الحديث بالفكر الغربي ومحاولة اتّباع ذات المسار التّحديثي الّذي توخّته التّجربة الغربيّة، رغم اختلاف المكوّنات الحضاريّة العامّة للمجتمعين العربي والغربي…