Thursday, May 6, 2010

كتابي الجديد “جدل الدّين الإسلامي والعمران المغربي”. مقتطف من المقدّمة


كتبهاالمبروك المنصوري ، في 29 أبريل 2010 الساعة: 16:21 م

…يرتكز هذا البحث على ثلاثة مصطلحات مركزيّة ذات أبعاد أنثروبولوجيّة مترابطة هي الجدل والدّين والعمران. الدّين بصفته تصوّرا للكون والوجود والمصير على صفة مخصوصة. والعمران بصفته ترتيبا للوجود المُتصوَّر وفق شروط انتظام المجتمع. والجدل بصفته محرّكا للتّاريخ ومنتجا للأفكار.
وقطب هذه المصطلحات الثّلاثة هو مصطلح العمران. وهو مصطلح خلدونيّ اكتسب أبعادا أنثروبولوجيّة في كثير من الأبحاث العالميّة المعاصرة. ويمكن تعريف مصطلح العمران الخلدوني بأنّه مفهوم جامع يشمل الماديّ والمجرّد، والمباشر والرّمزيّ وكلّ الأنظمة الدّالّة في الوجود الإنسانيّ، أو هو "ذلك الكلّ المركّب complex whole الذي يضمّ المعرفة والاعتقاد والفن والأخلاق والقانون والعرف وأيّة مؤهّلات أو عادات يتبنّاها الإنسان بصفته عضوا في مجتمع ما" مستعيرا هذا التّعريف الّذي ضبطه إدوارد تيلر Edward B. Tylor منذ سنة 1871، في كتابه "الثّقافة البدائيّة"[1]. ومثّل هذا التّعريف منطلقا تبنّاه باحثون كثر في علوم إنسانيّة مختلفة وتحوّل إلى مصادرة اختصّت بها الأنثروبولوجيا الثّقافيّة الأنـﭭلوسكسونيّة. ويرجع هذا الاختيار إلى سببين اثنين:
أمّا الأوّل فهو أنّ فرنتز روزنتال Franz Rosenthal عندما ترجم مقدّمة ابن خلدون سنة 1967 استعمل مصطلح Civilization الأنـﭭليزي للعمران الخلدوني ومصطلح Sedentary Culture للحضارة[2]. وأقرّ بروس لورنس Bruce B. Lawrence هذا الاختيار الاصطلاحيّ في مقدّمة الطّبعة الأنقليزيّة الجديدة من المقدّمة وقد أصدرتها جامعتا رنستون وأكسفورد سنة 2005[3]. فإذا أردنا أن نطبّق هذا الضّبط الاصطلاحي على التّعريف الأنثروبولوجي لتيلر يصير مصطلح Culture هو الحضارة و Civilization هو العمران. ويصحّ اعتبار العمران "كلّا مركّبا".
وهذا يقودنا إلى السّبب الثّاني وهو أنّ استعمال مصطلح العمران الخلدوني بعد إكسابه بعدا أنثروبولوجيّا ليس جديدا. فقد وظّفته مريل وين دايفس M. W. Davies في كتابها "أن نتعارف"[4]. ورغم الانتقادات الّتي وجّهها رتشرد تايـﭙر Richard Tapper لهذا التّوظيف[5] فإنّ المصطلح والمفهوم المراد منه ينسجمان مع البحث الأنثروبولوجي.
ويتّأكّد هذا من صلة النّظريّة الخلدونيّة في مجملها بنظريّة الأنثروبولوجي الألماني-الأمريكي فرانتز باوص Franz Boas (1858- 1942)، وقد تجدّد الرّجوع إلى دراساته وأبحاثه مع بداية هذا القرن خاصّة. وقد اعتُبر باوص من أهمّ المساهمين في جملة التّحوّلات المفهوميّة والمنهجيّة الكبرى في الأنثروبولوجيا الثّقافيّة الأنـﭭلوسكسونيّة. ولعلّ أهمّ إضافات باوص تتمثّل في برهنته على أنّ العلاقة بين العرق والثّقافة ليست ضرورة، بالمفهوم المنطقي للضّرورة، بل هي جدليّة تتبادل التّأثير والتّأثّر[6]، وأنّ للمناخ تأثيرا كبيرا في أنظمة المعنى الفاعلة في المجتمعات البشريّة، دون أن يقول بالماهيّة الثّابتة، وهو رأي ابن خلدون أيضا. ومقارنة المقدّمة بكتاب باوص "العرق واللّغة والثّقافة" تبيّن أنّ تصوّرات باوص تتماهى تماهيا كاملا مع تصوّرات ابن خلدون. الفرق الوحيد هو أنّ دراسة ابن خلدون تكاد تشمل العالم المعروف في القرون الوسطى أمّا دراسة باوص فمختصّة بالقارّة الأمريكيّة. وأكاد أذهب، دون أن أجزم الآن، إلى أن باوص قد اعتمد على نظريّة ابن خلدون اعتمادا مباشرا. والأمر مناط بحث… (الكتاب موجود في معرض تونس الدّولي للكتاب: جناح الدّار المتوسّطيّة للنّشر: عدد 802، بقيّة التّفاصيل في الصّفحة المخصّصة للكتاب في هذه المدوّنة)



[1] "Culture or Civilization, taken in its wide ethnographic sense, is that complex whole which includes knowledge, belief, art, morals, law, custom, and any other capabilities and habits acquired by man as a member of society". Encyclopædia Britannica, Student and Home Digital Edition, 2009. "culture", (Leslie A. White).
الإحالات حسب نظام شيكاﭬو Chicago-Style Citation.
[2] وترجم عنوان الفصل الثّامن عشر من الباب الرّابع من الكتاب الأوّل "في أنّ الحضارة غاية العمران ونهاية لعمره وأنّها مؤذنة بفساده" بـ "Sedentary culture is the goal of civilization. It means the end of its life span and brings about its corruption". Ibn Khaldūn, The Muqaddimah: An Introduction to History, Trans. Franz Rosenthal, 285.
[3] انظر مثلا الصفحات xix، xxx، xl و xli من مقدّمة هذه الطّبعة.
[4] M. W. Davies, Knowing one another: Shaping Islamic anthropology. London: Mansell, 1988.
[5] Richard Tapper, "’Islamic Anthropology’ and the ‘Anthropology of Islam"’, Anthropological Quarterly 68: 3 (1995): 189.
[6] F. Boas, Race, Language and Culture, 243-259, 270-331.
وانظر عن أهمّ إضافاته المفهوميّة والمنهجيّة أعمال الأنثروبولوجيّة المعاصرة رﭬنا دارنال Regna Darnell خاصّة.


No comments:

Post a Comment